ثقافة

5 من أسوأ الكوارث النووية في التاريخ

صحيح أن كارثة تشيرنوبيل كانت واحدة من أسوأ الحوادث النووية في التاريخ، ولكن للأسف لم تكن الوحيدة.

ساهمت الأخطاء البشرية والعوامل الطبيعية وعطل المعدات جميعها في حدوث أسوأ الكوارث النووية في التاريخ. في هذا المقال سنتعرف على أسوأ الكوارث النووية التي حدثت في التاريخ, مع تواريخ ومواقع وأسباب حدوثها. إضافة إلى الآثار الخطيرة التي أعقبتها.

تشكّل الطاقة النووية، بناءً على بيانات الوكالة الدولية للطاقة، حوالي 10% من إجمالي توليد الكهرباء عالميًا. بالإضافة إلى ذلك، فهي ثاني أكبر مصدر للطاقة منخفضة الكربون.

علما أن إنتاج الطاقة النووية يعتمد بشكل أساسي على عملية الانشطار النووي، حيث تنقسم نواة الذرة. ويمكن أن يحدث هذا الانشطار إما كتفاعل تسلسلي أو غير تسلسلي. إلا أن المفاعلات النووية تعمل عادةً وفق نموذج التفاعل التسلسلي، حيث يطلق كل انشطار نيوترونات تؤدي بدورها إلى انشطارات أخرى، محدثةً بذلك تفاعلاً ذاتي الاستدامة.

يعتبر اليورانيوم-235 النظير المفضل لعملية الانشطار النووي بسبب قابليته العالية للانشطار إلى أنوية أصغر عند تعرضه لقصف النيوترونات. ويؤدي هذا الانشطار إلى إطلاق كمية هائلة من الطاقة على شكل حرارة وبخار، والتي يتم استغلالها لاحقًا في تشغيل التوربينات لإنتاج الكهرباء.

على الرغم من فاعلية اليورانيوم-235 في إنتاج الطاقة النووية، إلا أنه يعتبر مادة مشعّة. وهذا يعني أنه يصدر إشعاعات مؤينة، لها القدرة على إحداث ضرر بالأنسجة الحية والتسبب بأضرار بيئية طويلة الأمد. ويمثل هذا الأمر هاجسًا رئيسيًا عند استخدام الطاقة النووية، وقد تجلّى ذلك جليًا في عدة حوادث نووية سابقة.

مقال ذو صلة: أقوى الزلازل في التاريخ البشري

1. كارثة تشرنوبل | The Chernobyl disaster

تم بناء غلاف (sarcophagus) فوق المفاعل النووي في تشيرنوبيل للحد من انبعاث المواد المشعة إلى البيئة. source: wikimedia

تعتبر حادثة تشيرنوبيل واحدة من أسوأ الكوارث النووية في تاريخ البشرية وقع حادث تشيرنوبيل في 26 من أبريل \ نيسان 1986 نتيجة لخطأ بشري وخلل في تصميم المفاعل. حدث ارتفاع في حرارة مفاعل RBMK-1000 في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، الواقعة بالقرب من مدينة بريبيات في أوكرانيا، مما أدى إلى انفجاره.

توفي إثر ذلك 31 شخصًا كنتيجة مباشرة للحادث، بينما قدّرت الأمم المتحدة أنه يمكن عزو 50 حالة وفاة مباشرة إلى الكارثة. وفي عام 2005 ، في حين توقعوا موت 4000 آخرين في نهاية المطاف نتيجة التعرض للإشعاع.

على الرغم من عدم وجود توافق كامل، وتباين الإحصائيات بشكل كبير، يرى البعض أن الوفيات الناجمة عن السرطانات الناتجة عن التعرض للإشعاع في تشيرنوبيل قد تصل إلى عشرات أو حتى مئات الآلاف. حيث تم العثور على نظائر مشعة ناتجة عن الحادث في النباتات والتربة والمياه والحيوانات ومنتجات حيوانية المصدر (مثل الحليب والصوف).

تصنيف الوكالة الدولية للطاقة الذرية (INES): المستوى 7 (أقصى درجة خطورة).

المفاعلات النووية في محطة تشرنوبل \ EBRD

تفاصيل الحادث

نفّذ المشغلون اختبارًا محاكيًا لانقطاع التيار الكهربائي لتقييم سلوك أنظمة السلامة في المفاعل. اذ ركز الاختبار على تقييم قدرة توربينات المفاعل على توفير الطاقة اللازمة لتبريد قلب المفاعل في حال حدوث إغلاق طارئ.

ولكن لتحقيق ذلك، خالف المشغلون إجراءات السلامة من خلال:

  • تعطيل أنظمة الإغلاق التلقائي.
  • خفض القدرة إلى مستويات منخفضة بشكل خطير.

بالإضافة إلى ما سبق، كان مفاعل تشيرنوبيل رقم 4 يعاني من عيبٍ تصميمي يتمثل بمعامل تجويف موجب. فمع تحوّل الماء (مبرد المفاعل) إلى بخار، تتراجع قدرته على إبطاء النيوترونات، ما يؤدي إلى زيادة تفاعلية المفاعل.

ساهمت أكثر من 40 دولة ومنظمة في تمويل جهود التعامل مع كارثة تشيرنوبيل. \ EBRD

في حدث كارثي، اندلع حريق ثانٍ في مفاعل تشيرنوبيل بعد الانفجار الأول، طال المهدئ الجرافيتي للمفاعل. في حين تسبب هذا الحريق في تعرّض عمال المصنع ورجال الإطفاء لجرعات عالية من الإشعاع. ممّا أدى إلى وفاة ما لا يقل عن 30 شخصًا منهم خلال أسابيع قليلة من الحادثة.

فيما تم إجلاء سكان مدينة بريبيات، بعد 36 ساعة من الانفجار، لكن العديد منهم كانوا قد ظهرت عليهم بالفعل أعراض تسمم الإشعاع.

ومع انتشار التلوث الإشعاعي، تم توسيع منطقة الإخلاء وإنشاء منطقة محظورة حول تشيرنوبيل. تبلغ مساحة هذه المنطقة المقيدة اليوم حوالي 1000 ميل مربع (2600 كيلومتر مربع).

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، تعرّض 600,000 شخص داخل الاتحاد السوفيتي للإشعاع بسبب هذا الحادث. وقد ربطت التقارير ذلك بزيادة حالات الإصابة بالسرطان بين السكان الذين يعيشون في المناطق المتضررة.

مقال ذو صلة: أكثر الأماكن نشاطا إشعاعيا على وجه الأرض

2. كارثة فوكوشيما | The Fukushima disaster

فريق التحقيق الذي يقوده مايك ويتمان من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يفحص وحدة الانفجار رقم 3 في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية
source:  flickr

في الحادي عشر من مارس/آذار عام 2011، هزّ زلزال هائل بقوة 9.0 درجات على مقياس ريختر الساحل الشمالي الشرقي لليابان. بينما رصدت المفاعلات في محطة فوكوشيما داييتشي للطاقة النووية، المُدارة من قبل شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (TEPCO) الزلزال وأوقفت عملها تلقائيًا.

لكن الزلزال تسبب في حدوث تسونامي عظيم بلغ ارتفاع أمواجه 130 قدمًا (40 مترًا)، وكانت محطة الطاقة تقع في مساره. اجتاح التسونامي جدار الحماية البحري وأعطب مولدات الديزل للطوارئ (EDG) التي توفر الطاقة الاحتياطية لمواصلة ضخ المبرد حول نوى المفاعلات، والتي ظلت ساخنة على الرغم من الإيقاف.

وبالتالي بسبب انعدام عمليات التبريد، بدأت تشتد سخونة نوى المفاعلات، مما أدى إلى ذوبان جزئي لقضبان الوقود. نتيجة لذلك، حدثت انفجارات كيماوية، وتسرّبت مواد مشعة إلى الهواء ومياه البحر. على إثر ذلك تم إجلاء أكثر من 300,000 شخص، فيما وصلت منطقة الإخلاء حول محطة الطاقة إلى 18 ميلاً (30 كيلومتر).

وبعد عمليات التنظيف المكثفة واسعة النطاق وإزالة التلوث، تمّ إعادة فتح معظم المناطق الواقعة ضمن منطقة الإقصاء بدءًا من عام 2014. وفي عام 2022، كانت بلدة فوكوتابا (التي تبعد ثلاثة أميال، أي خمسة كيلومترات عن محطة الطاقة) آخر منطقة يُعاد فتحها. لكن الجدير بالملاحظة أن عودة السكان كانت محدودة. اذ لم تتجاوز 18% فقط من سكان المنطقة قبل الحادث أبدوا رغبة في العودة إلى البلديات الواقعة ضمن منطقة الإخلاء.

فيما بعد جرى تبريد المفاعلات بواسطة المياه، وتخزين المياه الملوثة في صهاريج إلى حين إطلاقها في المحيط، مخالفةً بذلك المعارضةً الدولية.

مقال ذو صلة: ميكرو مفاعلات نووية ثورية ستعمل على النفايات المشعة

3. كارثة كشتيم | The Kyshtym disaster

نصب تذكاري لكارثة كشتيم في كشتيم، روسيا.
source: shutterstock

وفقًا للسجلات الرسمية، وقعت كارثة كشتيم المعروفة أيضًا بحادثة ماياك يوم 29 سبتمبر 1957. حدثت هذه الواقعة النووية الخطيرة في مجمع “Mayak” للإنتاج، وهو منشأة نووية تُعرف على نطاق أوسع بالاسم الرمزي تشيليابينسك-40.

يقع مجمع ماياك بالقرب من مدينة Chelyabinsk على المنحدرات الشرقية لجبال الأورال الوسطى في جمهورية الاتحاد السوفيتي الاشتراكيّة سابقًا. بينما كان المجمع المذكور يتولى إعادة معالجة الوقود النووي واستخلاص البلوتونيوم لاستخدامه في الأسلحة النووية. ونتيجة لهذه العمليات، بطبيعة الحال كان الموقع يضم كمية كبيرة من النفايات المشعة.

تمّ تخزين النفايات السائلة في خزانات تحت الأرض، وكان أحد هذه الخزانات يعاني من خلل في نظام التبريد. وعلى مدى أكثر من عام، ارتفعت محتويات الخزان حرارياً بشكل ثابت بسبب اضمحلال المواد المشعة، إلى أن انفجر الخزان بقوة تعادل حوالي 70 طن من مادة TNT.

أدى انفجار الخزان إلى إطلاق سحابة من الغبار المشع عاليًا في الغلاف الجوي. وقد انجرفت هذه السحابة لمسافة مئات الأميال، لتغطي منطقة يقطنها مئات الآلاف من السكان. فيما امتدّ نطاق التلوث الرئيسي على شكل دائرة يبلغ قطرها حوالي 62 ميلاً (100 كيلومتر). بينما تُعرف هذه المنطقة الآن باسم الآثار الإشعاعية لجبال الأورال الشرقية (EURT).

في وقت وقوع كارثة كشتيم، كانت الحكومة السوفيتية تتبع سياسة السرّية فيما يتعلق بالأنشطة النووية. وفي الواقع، استغرق الأمر حوالي أسبوع لاتخاذ قرار بإخلاء حوالي 10,000 من السكان المحليين الذين عانى الكثير منهم بالفعل من تسمم إشعاعي. إضافة لذلك، تعرضت المنازل والحيوانات والنباتات والأراضي للترسبات المشعة التي شملت كذلك المواد الغذائية وأعلاف الحيوانات، مما أدى إلى موت أشجار الصنوبر وتأثير بالغ على الحياة البرية.

وفقًا للمعلومات المتاحة حاليًا، فقد تعرضت منطقة تقدر مساحتها بحوالي 9,000 ميل مربع (23,000 كيلومتر مربع) للتلوث الإشعاعي جراء كارثة كشتيم. كما يُعتقد أن ما لا يقل عن 270,000 شخص قد تعرضوا للغبار المشع الناتج عن الحادث.

مقال ذو صلة: بطاريات الألماس المشع هل هي الحل للنفايات النووية؟

4. حريق ويندسكيل | Windscale fire

حريق ويندسكيل (Windscale fire) هو حادث نووي وقع بتاريخ 10 أكتوبر \ تشرين الأول 1957 في منشأة ويندسكيل النووية (المعروفة حاليا باسم سيلافيليد) الواقعة في كمبريا، إنجلترا. اذ كانت المنشأة تضم مفاعلين نوويين يعملان بالغرافيت والمُعدّيَن لإنتاج البلوتونيوم لصالح البرنامج البريطاني للأسلحة النووية.

وقع الحادث خلال عملية تشغيل روتينية للمفاعل بهدف التخلص من طاقة زائدة تسمى “طاقة ويجنر”. تتراكم هذه الطاقة بفعل تشغيل المفاعل العادي، حيث تتعرض ذرات الكربون داخل قلب المفاعل لتعرض مستمر بالنيوترونات. حيث تساعد عملية التشغيل الروتينية على التخلص من هذه الطاقة الزائدة ومنع حدوث مشاكل أكبر.

على الرغم من عملية التشغيل المخصصة للتخلص من طاقة ويجنر، إلا أن حرارة قلب المفاعل ارتفعت بشكل كبير هذه المرة، ووصلت إلى 400 درجة مئوية (750 فهرنهايت). اذ استمرت هذه الزيادة لمدة ثلاثة أيام بعد ملاحظة المشكلة لأول مرة، وفشلت كل محاولات تبريد المفاعل. نتيجة لذلك، اشتعلت النيران في إحدى وحدات الوقود بسبب ارتفاع حرارتها الشديد. لكن للأسف، ساهمت مراوح التبريد، التي زُوّدت بالطاقة القصوى لتبريد المفاعل، في تأجيج النيران بدلاً من إخمادها.

بعد ذلك، تم تنفيذ إجراءات لإخماد الحريق، بما في ذلك ضخ ثاني أكسيد الكربون والماء إلى المفاعل. مما أدى في النهاية إلى تبريده إلى درجة حرارة مستقرة.

إنما على الرغم من إخماد الحريق، انتشرت النشاطات الإشعاعية (radionuclides) عبر المملكة المتحدة وويلز وأجزاء من شمال أوروبا. ونظرًا لاحتمال تناول الأبقار للأعشاب الملوّثة، فرضت الحكومة البريطانية حظرًا على منتجات الألبان من الأبقار التي يتم تربيتها في منطقة يبلغ قطرها 200 ميل مربع (520 كيلومتر مربع) حول المفاعل.

5. محطة ثري مايل آيلاند النووية | Three Mile Island

مفاعل محطة ثري مايل آيلاند النووية \ istock

لا يمكن أن تخلو قائمة أسوأ الكوارث النووية من حادثة ثري مايل آيلاند التي وقعت في 28 مارس \ أذار 1979، في محطة توليد الطاقة النووية بالقرب من هاريسبرج ، بنسلفانيا.

بدأ الحادث بعطل صغير نسبيا في دائرة التبريد الثانوية، مما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة المبرد الأساسي.

وعلى الرغم من إيقاف تشغيل المفاعل تلقائيًا، إلا أن أنظمة القياس والتحكم فشلت في رصد فشل صمام تنفيس الضغط في الإغلاق. حيث أدى ذلك إلى فقدان كبير في سائل التبريد الأساسي، مما سمح للحرارة المتبقية الناتجة عن الاضمحلال الإشعاعي بالتراكم في قلب المفاعل، وحدوث تلف شديد.

غفل المشغلون عن هذا الخلل، واستمر المفاعل في فقدان سائل التبريد إلى أن أصبح الجزء العلوي من قلب المفاعل مكشوفًا وتسببت الحرارة المرتفعة جدًا في حدوث انصهار جزئي للمفاعل. على إثر ذلك، تسرّبت النظائر المشعة إلى مياه التبريد. وعند اكتشاف الأمر، تلوث مبنى الاحتواء بأكمله بالغازات المشعة.

هنا أعلن مشرفو محطة جزيرة الثلاثة أميال عن حالة طوارئ استجابة لتفاقم الحادث. بعد يومين من وقوع الحادث، تم إجلاء النساء الحوامل والأطفال في سن ما قبل المدرسة الذين يقطنون ضمن دائرة نصف قطرها خمسة أميال من المنشأة، وذلك بسبب ارتفاع مستويات الإشعاع. وبحلول يوم الجمعة الموافق 30 مارس، تم توسيع منطقة الإخلاء لتصل إلى دائرة نصف قطرها 20 ميلًا.

في حين أظهرت الدراسات الصحية المستقلة عدم وجود أدلة على ارتفاع غير طبيعي في معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة خلال السنوات التي أعقبت الحادث. ومع ذلك، استغرقت أعمال التنظيف ما يقرب من 12 عامًا وبلغت تكلفتها حوالي 973 مليون دولار أمريكي، مما جعل من حادث جزيرة الثلاثة أميال أخطر حادث في تاريخ صناعة توليد الطاقة النووية التجارية الأمريكية.

وأخيرا لا تقتصر قائمة أسوأ الكوارث النووية على هذه الخمسة فقط بل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى