علوم

هل يسير الزمن في اتجاهين متعاكسين بالنسبة للمواد؟

كشف بحث جديد أن حركة الجزيئات في الزجاج أو البلاستيك يمكن أن تعكس اتجاهها إذا نظرت إليها من زاوية معينة.

بالنسبة لنا، يبدو أن الزمن يمضي في اتجاه واحد. فلن نرى كوبًا مكسورًا يعيد تجميع نفسه على الأرض على الإطلاق. لكن بالنسبة لعلماء الفيزياء، هذا ليس واضحًا تماما. وذلك لكون المعادلات التي تطبّق على الحركة صالحة في كلا الاتجاهين بالنسبة للزمن.

على سبيل المثال، سيبدو مقطع فيديو لبندول يتأرجح بنفس الشكل إذا قمت بتشغيله عكسيًّا. لكن على الرغم من أن قوانين الحركة تسمح بحركة عكسية في الفيديو، فإننا لا نرى ذلك يحدث في الحياة الواقعية لأن هناك قانونًا آخر مهمًا، ألا وهو القانون الثاني للديناميكا الحرارية. حيث ينصّ هذا القانون على أن الفوضى في نظام ما تزداد دائمًا بمرور الوقت. بينما إذا أعاد الزجاج المكسور تجميع نفسه، فسوف تقل الفوضى، وهذا مخالف للقانون الثاني.

ساعة جيب تتأرجح بالاتجاهين Source: istock

كما ينطبق القانون نفسه على تآكل المواد. لكن الفيزيائيين من جامعة Darmstadt لهم رأي آخر، فقد اكتشفوا أنه يمكن عكس حركة الجزيئات في الزجاج أو البلاستيك إذا نظرت إليها من زاوية خاصة.

حسب النتائج التي نشرها فريق بقيادة  Till Böhmer في معهد الفيزياء المختلطة بجامعة دارمشتات التقنية في مجلة Nature Physics.

ساعة الزجاج الداخلية (الزمن المادي للزجاج)

رسم فني يمثّل سير الزمن في الاتجاهين Source: Michael Haddad

يتكون الزجاج والبلاستيك من كتلة متشابكة من الجزيئات. وبطبيعة الحال تكون هذه الجزيئات صغيرة جدًا لدرجة أننا لا نستطيع رؤيتها بالعين المجردة، لكنها تتحرك باستمرار وتغير مواقعها. لكونها تبحث دائمًا عن حالة طاقة أقل للاستقرار، مما يؤثر على خصائص المادة بمرور الوقت.

بكل الأحوال يمكن أن تستغرق هذه العمليات مليارات السنين بالنسبة لبعض المواد، مثل زجاج النوافذ. يمكن وصف عملية التقادم هذه بـ “الزمن المادي”. ويمكن تخيل الأمر على هذا النحو: المادة لها ساعة تختلف سرعتها عن الساعة الموجودة على الحائط. حيث يتسارع الوقت المادي أو يتباطأ اعتمادًا على مدى سرعة إعادة ترتيب الجزيئات لنفسها في المادة.

تمّ طرح هذا المفهوم منذ حوالي 50 عامًا، وبينما لم يستطع أحد قياس الوقت المادي من قبل، قام الباحثون في دارمشتات، بقيادة البروفيسور “Thomas Blochowicz” توماس بلوخوفيتش، بذلك لأول مرة.

مقال ذو صلة: السفر عبر الزمن نوعان ويتفق الفيزيائيون على أن أحدهما ممكن

اكتشاف مفاجِئ

يقول بومر: “لقد كان تحديًا تجريبيًا كبيرًا”، فلا بد من تسجيل الحركات الصغيرة للجزيئات بكاميرا فيديو حساسة للغاية. ويضيف بلوخوفيتش: “لا يمكنك فقط مشاهدة الجزيئات وهي تهتز.”

ولكنهم تمكنوا من رصد شيء ما. عندما قام الباحثون بتوجيه شعاع ليزر إلى عينة من الزجاج. تسببت جزيئات الزجاج في تشتت الضوء، مما أدى إلى ظهور نمط عشوائي من البقع الفاتحة والداكنة على المستشعر الضوئي للكاميرا. بعدها تمكنوا من حساب كيف يتغير النمط بمرور الوقت باستخدام أساليب إحصائية معينة. وهذا كشف لهم عن سرعة دوران الساعة الداخلية للمادة. يقول بلوخوفيتش: “تطلب ذلك إجراء قياسات دقيقة للغاية لم تكن ممكنة إلا بأحدث كاميرات الفيديو.”

أذهلت النتائج الباحثين حقيقة. فقد تعاونوا مع باحثين من جامعة Roskilde في الدنمارك لتحليل حركات الجزيئات فيما يتعلق بالوقت المادي. واكتشفوا أن هذه الحركات يمكن أن تحدث في كلا الاتجاهين، مثلما يمكن تشغيل مقطع فيديو للبندول عكسياً.

يؤكد بومر: “لكن هذا لا يعني أنه يمكن عكس تقادم المواد.” بل إن النتيجة بالأحرى تُظهر أن مفهوم “الزمن المادي” للمادة هو طريقة جيدة لاستيعاب الجزء غير القابل للعكس من تقادم المادة. يمثل دقّاتِها مرور الوقت للمادة نفسها.

مقال ذو صلة: يمكنها تصوير حركة الضوء فماهي أسرع كاميرا في العالم؟

ماذا يعني ذلك؟

أظهرت دراسة الباحثين أن ليست كل أشكال الحركة داخل المادة تساهم في تقادم المادة. بل إن الحركات المرتبطة فقط بـ “الزمن المادي” للمادة هي التي تؤثر على ذلك. ولتوضيح الامر استخدموا تشبيه أن “الأطفال الذين يلعبون في المقعد الخلفي للسيارة لا يؤثرون على حركتها.”

وبناء على ذلك، يعتقد الباحثون في دارمشتات أن هذا الاكتشاف ينطبق على جميع المواد غير المنتظمة، وليس فقط الزجاج والبلاستيك. وبعد أن اختبروا هذه الفرضية من خلال فحص فئتين من المواد ومحاكاة نموذج مادة على الكمبيوتر. وحصلوا على نفس النتائج في جميع الحالات.

في النهاية إنّ نجاح الفيزيائيين لا يمثّل سوى البداية. حيث يقول بلوخوفيتش: “هذا يتركنا أمام جبل من الأسئلة التي لم نجد لها إجابات بعد”. على سبيل المثال، يريدون معرفة كيف ترتبط عكسية “الوقت المادي” بعكسية القوانين الفيزيائية للطبيعة، أو كيف تمتلك مواد مختلفة ساعات داخلية مختلفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى