علوم

عدد الثقوب السوداء في كوننا أكثر مما يتوقعه عقلنا

عدد الثقوب السوداء في كوننا أكثر مما يتوقعه عقلنا

للمرة الأولى، يقوم علماء الفلك بإنشاء تقدير قائم على البيانات لعدد الثقوب السوداء في كوننا; لكن النتيجة فاقت توقعات الجميع.

الثقوب السوداء هي أجسام مذهلة، ولكن كم يبلغ عددها في الكون؟

Interstellar Black Hole
NASA’s Goddard Space Flight Center/Jeremy Schnittman

اشتهرت هذه الصورة للثقب الأسود في فيلم  “Interstellar”، والتي تم تصويرها من الحافة بالنسبة إلى قرص التنامي الخاص به في فضاء زمني بالغ الانحناء. ففي هذه الصورة تظهر قوة انحناء الزمكان الهائلة للثقب الأسود.

بالقرب من أفق الحدث ولكن لا يزال خارجه، يمر الوقت بمعدل مختلف تمامًا بالنسبة للمراقب في ذلك الموقع مقارنة بالمراقب البعيد خارج حقل الجاذبية الرئيسي.

على أي حال لا يزال عدد الثقوب السوداء في الكون، بالإضافة إلى دالة كتلة الثقب الأسود، قيد الدراسة والتحقق.

مقال ذا صلة: أول ثقب أسود مائل على الإطلاق يدور على جانبه تم إكتشافه حديثاً

تتشكل معظم الثقوب السوداء عندما تنهي النجوم الضخمة حياتها

The Crescent Nebula
Credit: J-P Metsävainio (Astro Anarchy)

تُظهر هذه الصورة، سديم الهلال (NGC 6888). وقد تم تصويرها بنفس هذه الألوان من خلال التلسكوب Hubble.
تُعرف أيضًا باسم Caldwell 27 و Sharpless 105، وهي سديم انبعاث في كوكبة Cygnus. وقد تشكلت بفعل رياح نجمية سريعة من نجم Wolf-Rayet واحد.

لم يتحدد مصير هذا النجم بعد. هل سينفجر كمستعر أعظم أم سينهار ليصبح قزمًا أبيضًا أو ثقبًا أسود نتيجة الانهيار المباشر؟

طور حياة المستعر الأعظم – Supernova

Credit: Nicolle Rager Fuller/NSF

تظهر الصورة التركيب البنيوي للنجم الهائل الحجم خلال دورة حياته. والذي يبلغ ذروته في Supernova (مستعر أعظم) من النوع الثاني، بعدها يحدث (انهيار للنواة) عندما ينفد وقوده النووي.

في المرحلة الأخيرة من الاندماج النووي يحدث انصهار للسيليكون، حيث يٌنتج الحديد والعناصر الشبيهة بالحديد في النواة ، وذلك قبل أن يحدث انفجار نجمي بفترة وجيزة. تولّد هذه الانفجارات إما نجوما نيوترونية أو ثقوبا سوداء. اذ تنشأ الثقوب السوداء نتيجة انفجارات ضخمة للنجوم عند انهيار نواتها. بينما تؤدي الانفجارات الأقل حجما إلى إنشاء نجوم نيوترونية فقط.

مقال ذا صلة: ما هو الحجم الفعلي للثقب الأسود؟

البعض يترك وراءه نجوم نيوترونية، لكن الأكثر ضخامة يترك وراءه ثقوب سوداء

Credit: Fulvio314/Wikimedia Commons
Credit: Fulvio314 / Wikimedia Commons

أنواع المستعرات العظمى تبعا للكتلة الأولية للنجم والمحتوى الأولي للعناصر الأثقل من الهيليوم (المعدنية):

نلاحظ من خلال المخطط أن النجوم الأولى التي تشكلت في الكون كانت خالية من المعادن، وتقع في الصف السفلي من الرسم البياني. كما أن المناطق السوداء في الرسم البياني تمثل الثقوب السوداء التي تشكلت مباشرة من انهيار النجوم.

أما بالنسبة للنجوم الحديثة، فنحن غير متأكدين مما إذا كانت المستعرات الأعظمية التي تخلق النجوم النيوترونية هي نفسها أو مختلفة بشكل أساسي عن تلك التي تخلق الثقوب السوداء. وأيضا ما إذا كانت هناك “فجوة كتلة” موجودة بينها في الطبيعة. ومع ذلك، فإن تشكل الثقوب السوداء هو نتيجة نهاية محتملة ومنطقية في جميع سيناريوهات المستعرات العظمى تقريبًا.

اندماج النجوم النيوترونية يزيد من عدد الثقوب السوداء

the merger of two neutron stars
Credit: NASA

كنا نعلم كما هو موضح هنا بالصورة أنه عندما يندمج نجمان نيوترونيان، يمكنهما إنشاء وميض انفجار أشعة غاما، بالإضافة إلى ظواهر كهرومغناطيسية أخرى. ولكن ربما، فوق عتبة كتلة معينة، يتشكل ثقب أسود حيث يصطدم النجمان في اللوحة الثانية. ومن ثم يتم التقاط كل المادة والطاقة الإضافية، دون أي إشارة هروب لهما.

في هذا الفيديو يظهر كيف يؤدي تصادم النجوم النيوترونية إلى خلق ثقب أسود وانفجار أشعة جاما

في بعض الأحيان، تنكمش النجوم بشكل مباشر تاركة ثقوبًا سوداء خلفها على الأرجح

A star collapsing
Credit: NASA/ESA

تُظهر صور هابل في الأطياف المرئية والأشعة تحت الحمراء القريبة اختفاء نجم ضخم. كان يبلغ من الحجم حوالي 25 ضعف كتلة الشمس، من دون مستعر أعظم أو تفسيرات أخرى. الانهيار المباشر هو التفسير المرشح الوحيد المعقول، وهو أحد الطرق المعروفة لتكوين ثقب أسود لأول مرة، بالإضافة إلى المستعرات الأعظمية أو اندماجات النجوم النيوترونية.

“نسبة” الثقوب السوداء غير مؤكدة

Credit: ESO/MPE

هذا الفيديو يظهر مرور 20 عامًا من حركة النجوم بالقرب من مركز مجرتنا، وهو من إنتاج منظمة المرصد الأوروبي الجنوبي، ونُشر عام 2018. نلاحظ فيه كيف تزداد دقة وحساسية التفاصيل في النهاية، حيث تدور جميعها حول الثقب الأسود الهائل المركزي غير المرئي في مجرتنا. كما يعتقد العلماء إن كل مجرة كبيرة، حتى في المراحل المبكرة من تكوينها، تحتوي على ثقب أسود هائل. ولكن الثقب الأسود الوحيد الذي يمكننا رؤيته بدقة كافية لتحديد كتلته بدقة هو الثقب الأسود الموجود في مركز مجرة درب التبانة. بأي حال، لا زال تقدير العدد الفعلي للثقوب السوداء في الكون، وعددها بالنسبة لكل وحدة كتلة، غير دقيق إلى حد كبير.

علم فلك الموجات الثقالية

Ligo-livingston-aerial-02
Credit: Caltech/MIT/LIGO Lab

هذه الصورة الجوية تٌظهر المختبر العلمي الرئيسي LIGO Livingston في لويزيانا. مع إطلالته التي تمتد إلى أسفل أحد ذراعي الكشف الأربعة بطولها البالغ 4 كيلومترات. بالتعاون مع مرصد LIGO Hanford شرق واشنطن لم يكتفِ هذان الكاشفان بجلب أول اكتشاف لموجات الجاذبية. بل سجلا أيضًا المزيد من اكتشافات لموجات الجاذبية ما رصيده أكبر من جميع الجهود الأخرى مجتمعة.

اكتشف LIGO و Virgo مجموعات من الثقوب السوداء، مما منحنا شبه تعداد أولي

هنا يظهر الرسم البياني كتل النجوم السوداء والنجوم القزمة

يعتبر هذا الرسم البياني الأحدث منذ تشرين الثاني 2021 (بعد نهاية الجولة الثالثة من بيانات ليغو وقبل بدء الجولة الرابعة). تتمثل فيه جميع الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية التي شوهدت كهرومغناطيسيًا ومن خلال موجات الجاذبية. وهذا يشمل الأجسام التي تتراوح بين ما يزيد قليلا عن 1 كتلة شمسية بالنسبة للنجوم النيوترونية الأخف وزنا، وحتى الأجسام التي تزيد قليلا عن 100 كتلة شمسية كحال الثقوب السوداء بعد الاندماج. أي إن علم فلك الموجات الثقالية حساس حاليا فقط لمجموعة ضيقة جدا من الأجسام.

تم العثور على أقرب الثقوب السوداء كثنائيات للأشعة السينية، حتى اكتشاف غايا بي ايش 1 في تشرين الثاني 2022. ولاتزال محاولات تحديد “حدود” الكتلة بين النجوم النيوترونية والثقوب السوداء جارية.

يضمن التقدير الدقيق لاندماج الثقوب السوداء أننا لا نبالغ في تقدير عددها

Credit: C. Henze/NASA Ames Research Center

تمثّل الصورة محاكاة رقمية للموجات الثقالية المنبعثة من اندماج ثقبين أسودين. حيث تشير الألوان المختلفة حول كل ثقب أسود إلى شدة موجات الجاذبية المنبعثة منه. اذ تُظهر الخطوط الزرقاء المسارات التي تسير فيها الثقوب السوداء حول بعضها، بينما تشير الأسهم الخضراء إلى اتجاه دورانها. وللعلم، إن تسريع كتلة واحدة عبر منطقة من الزمكان المنحنية سيؤدي إلى إطلاق موجات الجاذبية بشكل دائم، حتى بالنسبة لنظام الأرض-الشمس.

تدعم هذه البيانات تقديرات الكثافة العددية للثقوب السوداء (حسب الكتلة) في الكون

Credit: LIGO Scientific Collaboration/Beverly Berger, NSF

إن قدرة مرصد LIGO المتقدم على اكتشاف اندماجات الثقوب السوداء {الثقوب السوداء باللون (الأرجواني)} أكبر بكثير من قدرته على اكتشاف اندماجات النجوم النيوترونية {لنجوم النيوترونية باللون (الأصفر)}. وذلك لأن اتساع الإشارة يعتمد على الكتلة. بمعنى آخر، يمكن لمرصد LIGO المتقدم اكتشاف اندماج الثقوب السوداء على مسافة أبعد من اندماج النجوم النيوترونية بمعامل 10 تقريبًا. وهذا يعني أنه يمكن لمرصد LIGO المتقدم اكتشاف اندماج ثقوب سوداء في حجم أكبر بمعامل 1000 تقريبًا من حجم اندماج نجوم نيوترونية. لذلك، فإن مرصدي LIGO وVirgo أكثر حساسية لاكتشاف اندماجات الثقوب السوداء ذات الكتل الأعلى.

تقديرات كتلة الثقوب السوداء الصغيرة التي تقل عن 10 كتل شمسية، هي الأكثر عرضة للشكوك

يظهر الرسم البياني مجموعات الثقوب السوداء، فقط، كما تم اكتشافها من خلال اندماجات الموجات الثقالية (بالأزرق) وانبعاثات الأشعة السينية (بالأرجواني). فمن الواضح غياب وجود فجوة أو فراغ ظاهر فوق 20 كتلة شمسية، ولكن هناك نقص ملحوظ في المصادر أسفل 5 كتل شمسية. يمنحنا هذا الاكتشاف فهماً أعمقا لكون اندماجات النجوم النيوترونية مع الثقوب السوداء لايمكنها توليد أثقل العناصر إطلاقا. ولكن اندماجات النجوم النيوترونية مع بعضها البعض يمكنها القيام بذلك، ويمكن أن تؤدي أيضًا إلى تكوين ثقب أسود. إن تقديرات عدد الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية التي تتراوح كتلتها بين حوالي 2 و 5 كتل شمسية (النطاق الأدنى من كتلة الثقوب)، لا زالت موضع شك.

من خلال تحليل جميع البيانات المتاحة، تمكن علماء الفيزياء الفلكية من تقدير دالة كتلة الثقب الأسود الكونية

Credit: A. Sicilia et al., ApJ, 2022

يوضح هذا الرسم البياني دالة توزيع كتلة الثقوب السوداء المقدرة في مختلف العصور الكونية (الألوان المختلفة) حسب كتلة هذه الثقوب (المحور x). تشير حسابات التكامل التي أجريت باستخدام بيانات من جميع أنحاء الكون المرئي إلى وجود ما يقدر بـ 40 كوينتيليون ثقب أسود في كوننا.

في المجمل، خلصوا إلى وجود 40 كوينتيليون (4 × 1019) ثقب أسود في كوننا اليوم.

Credit: ESA/Hubble & NASA, R. Cohen

يظهر في هذه الصورة قلب العنقود الكروي “Terzan 5″، الذي يقع في مجرتنا درب التبانة على بعد 22,000 سنة ضوئية فقط. ويتميز بمجموعة متنوعة من الألوان والكتل للنجوم الموجودة فيه. على الرغم من أن العديد من هذه النجوم ستنطفئ خلال 10-20 مليار سنة القادمة تقريبًا، إلا إن بعضها الآخر سيستمر لفترة أطول بكثير.

كما تشير دراسة حديثة إلى أن ما نسبته 1-2% من جميع النجوم قد تؤدي إلى تكوين ثقوب سوداء، وهو عدد أكبر بكثير من العدد المقدّر سابقًا.

يُعادل ذلك 1-2% من جميع النجوم التي ستشكل ثقوبًا سوداء في النهاية: وهو رقم أعلى بكثير من جميع التقديرات السابقة.

Credit: A. Sicilia et al., ApJ, 2022

تُقدّر كثافة كتلة الثقوب السوداء الكلية في الكون، والتي يمثلها الخط الأزرق المتصل، بحوالي 10% من كثافة كتلة النجوم في الكون. على الرغم من أن العدد الإجمالي للثقوب السوداء غير معروف بدقة الى الآن، إلا أن الثقوب السوداء التي تتراوح كتلتها بين 20 و 50 كتلة شمسية هي الأكثر شيوعًا. وهي التي تهيمن على الكتلة الإجمالية للثقوب السوداء في الكون.

مقال ذا صلة: الثقوب البيضاء: التوأم الغامض للثقب الأسود

إذا تم التحقق وتأكيد البيانات، فهذا يعني أن الثقوب السوداء تشكل نسبة 0.04% من إجمالي الطاقة الكونية.

تظهر في هذه الصورة، التي تبلغ مساحتها حوالي 0.15 درجة مربعة من السماء، العديد من المناطق التي تحتوي على أعداد كبيرة من المجرات المتجمعة معًا في عناقيد وخيوط، تفصلها فجوات كبيرة أو فراغات. كل نقطة من الضوء ليست مجرة، ولكنها ثقب أسود فائق الضخامة، مما يدل على مدى انتشار هذه الأجسام الكونية.

من خلال تقدير دالة كتلة الثقوب السوداء عبر الزمن الكوني، توصّل الباحثون إلى حل محتمل لمسألة “بذور الثقوب السوداء الهائلة”، مما يشير إلى أن الفيزياء الفلكية التقليدية ربما أدت إلى ظهور الأجسام التي نلاحظها في جميع العصور الكونية.

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى