علوم

ملاحظات الثقب الأسود تحل لغز أشعة الكون

كشفت بيانات من مرصد أفريقي أن النفاثات المنطلقة من النجوم المنهارة قادرة على إنتاج بعض أسرع الجسيمات في مجرتنا.

رصدت مجموعة من التلسكوبات في ناميبيا مصدر بعض الجسيمات الأكثر طاقةً في المجرة (الأشعة الكونية). وتشير المشاهدات إلى أن هذه الجسيمات تتسارع لتقارب سرعة الضوء عندما تقذف بها الثقوب السوداء في منطقة تعرف باسم  Manatee” Nebula”.

أحدثت الاكتشافات التي تمّ نشرها في مجلة Science في 25 يناير من قبل الباحثين في منظومة “HESS” لعلم الفلك بالأشعة الغامضة خطوةً مهمة في رحلة عمرها قرن من الزمن لفهم أصول الأشعة الكونية. وهي عبارة عن نوى ذرية سريعة الحركة وجسيمات أخرى تقوم بضرب الغلاف الجوي العلوي للأرض باستمرار.

كما تقول سيرا ماركوف، عالمة الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة أمستردام, “بالنسبة لأشخاص مثلي يريدون محاكاة الانبعاثات الفيزيائية الفلكية، بما في ذلك تركيبها الداخلي وانتشارها وتطورها”، فإن المعلومات التي أنتجتها HESS “مذهلة.

مقال ذو صلة: اكتشاف أقدم ثقب أسود قد يكشف لنا أسرار جديدة عن الكون

مطر من الفضاء

تصوير توضيحي لثقب أسود يمتص المادة من نجم في نظام ثنائي مضغوط (ميكروكوازار) Source: NASA

كما هو معلوم تتنوع طاقة الأشعة الكونية بشكل كبير. وأكثر أنواعها وفرةً هي الأشعة الكونية ذات الطاقة المنخفضة، والتي تتكون من جزيئات رياح شمسية تدخل الغلاف الجوي للأرض بعد أن تدور في مجالها المغناطيسي. بينما يُعتَقد أن الأشعة الكونية ذات الطاقات العالية جدًا ناتجة عن المستعرات الأعظمية. لكن الأمر المثير للدهشة، وجود أشعة كونية ذات طاقة عالية جدا تأتي من خارج مجرتنا، وتحديدًا من quasars . وهي الثقوب السوداء فائقة الضخامة التي تطلق انبعاثات من البلازما تسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء.

اقترح علماء الفيزياء الفلكية أن انبعاثات البلازما المنطلقة من ثقوب سوداء أصغر من الكوايزارات يمكن أن تساهم أيضًا في مجموعة الأشعة الكونية. تعتبر طاقة هذه “microquasars” مصادر قوية لأشعة إكس والأشعة الراديوية، والتي يمكن أن تصل إلى نطاق متوسط بين طاقة المستعرات الأعظمية وطاقة الكوايزارات.

يقع الثقب الأسود في كوكبة النسر على بعد حوالي 18000 سنة ضوئية (5.5 kiloparsecs)) من النظام الشمسي، ويشكل نظامًا ثنائيًا مع نجم كبير. حيث تدور المادة المقذوفة من النجم حول الثقب الأسود ثم تتسرب إليه، مما يولد انبعاثات عالية الطاقة.

يحيط بالنظام الثنائي سديم يُعرف باسم “سديم خروف البحر” وذلك بسبب شكله المستطيل. يتكون هذا السديم من غبار وغاز متبقيان من مستعر أعظم نشأ قبل 10000 ل 100000 سنة. عندما انهار قلب نجم متفجر لتشكيل الثقب الأسود.

بعد انفجار المستعر الأعظم، استمرت المادة المتدفقة في إنتاج أشعة كونية لآلاف السنين، لكن هذا النشاط توقف منذ زمن طويل. ولكن في فترة ما بين 10,000 و30,000 سنة مضت، إلا أنه عاد النظام إلى الظهور عندما شكّل الثقب الأسود نفاثاته. ويعتقد الباحثون أن هذا هو الوقت الذي بدأ فيه إنتاج الأشعة الكونية مرة أخرى.

مقال ذو صلة: الثقوب البيضاء: التوأم الغامض للثقب الأسود

أدلة كونية

أيًّا كانت جزيئات الأشعة الكونية المنشأ من ميكروكوازار، فسوف تتحرك عبر المجرة في مسارات حلزونية قبل أن تصل إلى الأرض. ونتيجة لذلك تحرف المجالات المغناطيسية مساراتها. الأمر الذي يجعل من المستحيل تتبع مساراتها عائدة إلى مصدر محدد. وبدلاً من ذلك، يبحث علماء الفيزياء الفلكية الذين يتقصّون أصولها المحتملة للأشعة الكونية عن فوتونات أشعة غاما، والتي يفترض أن تنتج من نفس العمليات التي تسرع جسيمات الأشعة الكونية، لكنها تنتقل إلى الأرض في خطوط مستقيمة.

قام الفلكيون عام 2018 بأول رصد لأشعة غاما من SS 433 من مرصد “هاوك” Cherenkov الواقع في المكسيك. لكن على عكس فريق مرصد HESS، لم يتمكنوا من تحديد المصدر بدقة.

نظام التلسكوب المجسم عالي الطاقة (HESS) – نامبيا Source: Science Photo Library 

يكشف كلٌّ من مرصد HAWC ومرصد HESS عن فوتونات أشعة غاما بشكل غير مباشر، لكن باستخدام طرق مختلفة.

يستخدم مرصد HAWC خزانات مملوءة بالماء لكشف أشعة غاما. حيث تصطدم أشعة غاما بذرات الغلاف الجوي العلوي وتنتج جسيمات ثانوية تُعرف باسم الإلكترونات والميونات. عندما تنتقل هذه الجسيمات الثانوية إلى الأرض، يتم التقاطها بواسطة خزانات الماء. على الرغم من أن هذا النهج يسمح بمسح منطقة واسعة من السماء، لكن ليس بدقة عالية.

أما بالنسبة مرصد HESS فهو يعتمد على تقنية مختلفة للكشف عن أشعة غاما. حيث يرصد وميض الضوء الذي تنتجه الجسيمات الثانوية عند تفاعلها مع جزيئات الهواء أثناء تحركها عبر الغلاف الجوي.

مقال ذو صلة: رصد جسم سماوي غريب يحيّر العلماء

نتائج الرصد

مكّنت هذه النتائج مرصد HESS من تحديد موقع إنتاج أشعة غاما في سديم البقرة البحرية بدقة عالية. كما سمحت له بالتركيز على دراسة أشعة غاما ذات طاقات معينة. بجانب ذلك، أظهرت ملاحظات استمرت لأكثر من 200 ساعة على مدار 3 سنوات أن انبعاث أشعة غاما يبدأ في منتصف المسافة بين الثقب الأسود وبقايا المستعر الأعظم، ثم يتلاشى تدريجياً. يقول Olivera-Nieto “تأتي الفوتونات ذات الطاقة الأعلى من المنطقة القريبة من الثقب الأسود. وهذا هو الاكتشاف الحاسم.”

توضح أوليفيرا-نييتو، “تشير هذه الملاحظات إلى أن أشعة غاما، وبالتالي الأشعة الكونية، لا تتولد من تصادمات مع مادة أخرى، بل يتم إنتاجها بآليات داخلية في النفاثات نفسها.” بينما يكون الفضاء المحيط بالثقب الأسود خالٍ بشكل كبير، حيث قامت الموجة التصادمية المتوسعة للمستعر الأعظم بتنظيفه.

كما يقول ماركوف الذي يثني على تحليل أوليفيرا-نييتو للبيانات، “تعزز هذه النتائج فكرة أن النظم الثنائية التي تحتوي على نجوم نيوترونية أو ثقوب سوداء صغيرة، تشبه نظيرتها الضخمة من الثقوب السوداء الهائلة في قدرتها على تسريع الأشعة الكونية. وفي النهاية إذ سمحت تقنيتها باستخدام المزيد من البيانات وزادت الحساسية بدرجة كافية لإجراء هذه الدراسة الرائعة، وبالتالي تمهد الطريق لمزيد من الأبحاث المماثلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى