ثقافة

هل تتخيل حياتك بدون التعامل بالنقود؟ السويد نموذجًا

بعد عدة قرون من إصدار أول أوراق نقدية حقيقية في أوروبا، اتخذت السويد خطوة غير مسبوقة تتمثل في التوقف عن التعامل بالنقود تمامًا.

السويد مجتمع لا نقدي; قد يصعب علينا تخّيل نمط حياتنا خاليا من التعاملات النقدية، لكن يبدو أن السويد قد نجحت في ذلك كأول دولة في العالم تنجح في تحويل نظامها المالي بشكل كامل أو شبه كامل الى الدفع الإلكتروني.

تعدّ السويد دولة رائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا. فهي تتميز ببنية تحتية رقمية متطورة للغاية، ومجتمع حاضن بشدة للابتكارات التكنولوجية.

بدءاً من 24 آذار 2023، لم يعد النقد مقبولاً كوسيلة للدفع في السويد. ويسمح قانون فريد في السويد للتجار بإلزام الزبائن بالدفع إلكترونيًا، على الرغم من كون النقود عملة قانونية سارية المفعول في البلاد.

تُعدّ ثقافة الابتكار في السويد، واعتمادها المبكر للتقنيات الجديدة، إلى جانب جودة الحياة العالية في البلاد، عوامل رئيسية ساهمت في تحول السويد إلى مجتمع لا نقدي. فعندما تتحول السويد بالكامل إلى مجتمع لا نقدي، لن يتمكن المواطنون والزوار من استخدام النقود لإجراء عمليات الشراء. بل سيتعين عليهم إجراء جميع المدفوعات بشكل إلكتروني.

لن تختفي العملات المعدنية والورقية تمامًا في بداية التحول نحو مجتمع لا نقدي في السويد. لكن، سيكون استخدامها عمليًا صعبًا للغاية أو شبه مستحيل. لكن فيما بعد قد تصبح العملات المعدنية والورقية في السويد مجرد مقتنيات يقتصر وجودها على المتاحف وخزائن التجميع.

مقال ذو صلة: البيتكوين تهبط لنصف قيمتها في نوفمبر الماضي

السويد، أمة من أوائل المتبنين

لطالما كانت السويد من أوائل الدول التي تتبنى التقنيات الجديدة، وهذا أمر معروف عنها تاريخيًا. فهي تمتلك سجلًا حافلًا بالريادة في مجالات مختلفة، ولا يُستثنى النظام المالي من ذلك.

كما يمكننا اعتبار السويد دولة رائدة في مجال البنوك والابتكار المالي منذ قرون، حيث أصدرت أول ورقة نقدية في أوروبا عام 1661. فيما دخل أول جهاز صراف آلي الخدمة في السويد في تموز 1967، وذلك بعد أسبوع واحد فقط من تشغيل أول جهاز في العالم في لندن.


وصولًا إلى عام 2023، الذي حققت السويد فيه إنجازًا تاريخيًا بتحوّلها إلى أول دولة لا نقدية في العالم. الذي يعني أنّ اقتصادها أصبح يعتمد بشكلٍ كامل على المعاملات الرقمية. واذا ما نظرنا الى الإحصائيات، وفقًا للمصرف المركزي السويدي، فإن 80% من السويديين يستخدمون البطاقات في المعاملات اليومية، حيث تبلغ نسبة المدفوعات بالبطاقات 58%، بينما تبلغ نسبة المدفوعات النقدية 6% فقط.

السويد مجتمع لا نقدي يلوح في الأفق

زاد الاعتماد على المدفوعات الإلكترونية بشكل كبير، وبدأت بعض المطاعم والمتاجر بعدم قبول الدفع النقدي تمامًا. بدورها وفّرت خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول طريقة فورية وآمنة ومريحة لتحويل الأموال بين الأفراد.

مقال ذو صلة: هل ستؤثر لوائح العملات المشفرة المتوقع إقرارها في الولايات المتحدة على السوق

إضافة الى ذلك فإن أغلب البنوك السويدية تتجه بشكل متزايد نحو الخدمات الرقمية، حيث توقف العديد منها معاملات النقد المباشرة عبر الفروع. وأدى هذا القرار إلى إغلاق العديد من الفروع البنكية في جميع أنحاء البلاد. بكل الأحوال، يُعد التعامل مع النقود مكلفًا للبنوك بسبب الحاجة إلى أنظمة أمن معقدة. وكذلك عند الرغبة في الإيداع أو السحب، يضطر العملاء إلى زيارة أجهزة الصراف الآلي.


السويد أول مجتمع لا نقدي في العالم بحلول عام 2023

في رحلة امتدت 362 عامًا، تحوّلت السويد من كونها رائدةً في مجال الأوراق النقدية عام 1661 إلى أول دولة لا نقدية في العالم عام 2023.

كما تميزت السويد بترسيخ البنية التحتية للاتصالات وتبني ثقافة الدفع الإلكتروني. ونتيجة لذلك، يمتلك الجميع تقريبًا إمكانية الاتصال والقيام بالمعاملات المالية بطريقة سلسة وسريعة. واليوم لغة التعامل المالي الجديد في السويد هي البطاقات الذكية، والدفع اللاتلامسي، ومنصات دفع مثل iZettle وSwish. حيث تم إنشاء هذه الخيارات لتكريس نمط حياة لا نقدي.

الدفع الإلكتروني المصدر: iStock

تخطت السويد حاجز 80٪، فأغلب عمليات الشراء تتم الآن بطرقٍ لا نقدية، توفيرًا للوقت والجهد وتلبيةً لحياة العصر الرقمي. وهذا مشابه لما يحدث في الدول الاسكندنافية الأخرى، بما في ذلك فنلندا والنرويج والدنمارك وأيسلندا.

بينما تخطو دول الشمال بخطوات واسعة نحو عالم لا نقدي، يظل استخدام النقود شائعًا في العديد من دول جنوب أوروبا. هذا التباين يُبرز اختلافاتٍ مثيرةً للاهتمامٍ في عادات وثقافات الدفع حول القارة. علاوةً على ذلك، في بعض المدن الأوروبية الجنوبية، لا تقبل العديد من المنشآت إلا الدفع نقدًا. وهذا عكس ما يحدث في شمال أوروبا، حيث لم يعد يُقبل النقد في معظم الأماكن.

رحلة السويد التاريخية نحو عالم لا نقود

في عام 2012، اتحدت أكبر ستة بنوك في السويد لتقديم ابتكار جذري – منصة دفع إلكتروني فوري عبر الهاتف المحمول. هدفت هذه المنصة إلى جعل المدفوعات الإلكترونية أكثر سهولة وملاءمةً للعملاء، بل وتغيير شكل الحياة اليومية في السويد. فيما بعد تم تطوير التطبيق المسمى Swish الذي حظي Swish بقبول واسع واستخدمه الجميع في السويد في ذلك الوقت.

أصبح تطبيق Swish قريبًا جدًا من كونه المعيار السويدي للمدفوعات عبر الهاتف المحمول. ويستخدم التطبيق أكثر من نصف سكان السويد. فيما يعتمد أقل من 13% من إجمالي سكان السويد على النقود.

أما بالنسبة للأطفال فهم جزء من التغيير. ولن يتمكن العديد منهم من معرفة كيف كان العيش في عالم كانت فيه المعاملات النقدية شائعة. سيتعرف معظم أطفال جيل ألفا في السويد على النقود الورقية فقط من خلال الصور والفيديوهات والمتاحف.

علاوة على ذلك، تصدر البنوك السويدية بطاقات خصم للمواطنين الذين تبلغ أعمارهم سبع سنوات أو أكثر (بموافقة الوالدين)، وهو ما يمثل أكثر من 97٪ من السكان.

لا حاجة لحمل النقود في ستوكهولم اليوم

أحد الكافيهات لا يقبل الا الدفع الالكتروني المصدر: Susan Fourtané

في عام 2023 تراجع استخدام النقود في السويد بشكل كبير، إذ لا تمثل المعاملات النقدية سوى أقل من 1% من إجمالي المعاملات. اذ يقبل أكثر من 99٪ من التجار بطاقات الخصم. تقل المدفوعات النقدية للمستهلكين عن 20٪ من إجمالي المعاملات. وأكثر من 80٪ من جميع المعاملات هي معاملات غير نقدية، وهذه النسبة الى زيادة.

أما بالنسبة للمواصلات فقد انتهى عهد النقود في مواصلات ستوكهولم منذ عدة سنوات! لم يعد حمل النقود ضروريًا للتنقل في أنحاء المدينة باستخدام الحافلات والقطارات والترام وغيرها. فيما تُدفع التذاكر مسبقًا، أو باستخدام تطبيق جوال، أو يتم شراؤها ببطاقة الخصم/الائتمان من السائق أو آلة التذاكر. لكن السكان عادة ما يشترون بطاقة سفر شهرية، والتي تكون أكثر ملاءمة وأقل تكلفة من شراء تذاكر فردية.

لا شكّ أنك سترى في العديد من المتاجر عبارة “نعتذر، الدفع نقدًا غير مقبول في هذا المتجر”. فمعظم السويديين، وخاصةً الشباب واليافعين، لا يحملون نقودًا أبدًا. ولكن لا داعي للقلق بشأن صرف العملة عند زيارة السويد، حتى وإن بدا الأمر غريبًا لبعض السياح! إلا أنهم لن يحتاجو النقود على الإطلاق.

حتى للمشتريات البسيطة فالنقود غير مطلوبة أبدًا، مثل الشوكولاتة الساخنة في سوق عيد الميلاد في ستوكهولم. ببساطة يمتلك جميع الباعة قارئ بطاقة دفع إلكتروني بالهاتف المحمول مع رمز سري، مثل الذي تقدمه شركة iZettle السويدية، أو يقبلون المدفوعات عبر تطبيق Swish.

تطبيق swish للدفع الفوري الإلكتروني المصدر: Fredrik Sandberg/TT

مكافحة الجريمة من الأسباب العملية للنظان اللانقدي

من بين الأسباب التي دفعت السويد لتقليل الاعتماد على النقود: زيادة أمن وسائل النقل العام، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل في العاصمة ستوكهولم. الى جانب ذلك، ترى السويد في الابتعاد عن النقود وسيلة لمكافحة سرقة البنوك وأسواق المخدرات والتزييف والأسلحة. يضاف إلى هذا، فوائد خفض الاعتماد على النقود، وتقليل التهرب الضريبي أيضًا. فقد انخفضت حوادث سرقة البنوك بشكل كبير في السنوات الأخيرة بفضل غياب النقد تقريبًا في معظم بنوك السويد، واستمرار تراجع عدد فروعها. كما يشعر أصحاب المنشآت التجارية بقدر أكبر من الأمان في غياب النقود الظاهرة.

مستقبل المال

منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تهتم الأوساط الأكاديمية الأوروبية بدراسة مستقبل المال وتحليل تطور المجتمع اللانقدي، بما في ذلك تحليل الوسائل لتحقيقه وتقييم التحديات والمزايا المحتملة.

يتعمق الباحثون في تحليل المجتمع اللا نقدي من مختلف المنظورات. تشمل موضوعات النقاش النقد في المستقبل والعواقب المجتمعية للمجتمع اللانقدي. بينما تشمل المواضيع الأخرى حلول الدفع الجديدة كتقنيات معطلة، وتقنيات الدفع الناشئة، ونماذج أعمال الدفع الناشئة، والمدفوعات البيومترية، والنزاهة، والخصوصية، وتصميم المدفوعات والتقنيات الجديدة التي تستمر في الظهور.

طرح الكرونا (Krona) الإلكترونية السويدية

يختبر البنك المركزي السويدي حاليًا قبل إطلاق عملته الرقمية: الكرونا الإلكترونية.

الـكرونا الإلكترنية وهي عملة رقمية مدعومة من البنك المركزي، تهدف إلى دفع السويد نحو مستقبل لا نقدي.

أخيرًا، بينما تتقدم السويد كأول دولة نحو مجتمع لا نقدي، يتطلع كثيرون لمعرفة نتائج هذه التجربة والتعلم منها. وستتحول الأنظار نحو السويديين لنرى كيف سيعتادون على هذا التحول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى